Take تدبير المتوحد Imagined By ابن باجة Physical Book

on تدبير المتوحد

يخفى أن هذا أشهر ما تركه أول فلاسفة الأندلس أبو بكر بن باجة , ولعلي أغامر بالقول إن الكتاب على هيئته الحالية يظهر فيه نقص , ربما يكون بسبب أن النسخ التي وصلت كانت مقتطفات منه , أو أن ابن باجة نفسه لم يكمله , كما فعل مع مؤلفاته الأخر , وهذا تبع لاقتصاره في المؤلف على مراتب الإدراك , أو الصلة ما بين الصورة و المادة , باعتبار تراتبية المعرفة بدءا من الحس إلى العقل الفعال حسب الترتيب الذي تناقله الفلاسفة المسلمون عن اليونان و المدرسة الأفلاطونية المحدثة , كما كان موضوعه في رسالة الاتصال بين العقل و الإنسان ,و المتضمنة في "رسائل ابن باجة الإلهية " التي نشرها و حققها الأستاذ ماجد فخري , دون أن يتعرض لشيء من الحكمة العملية التي هي مناط التدبير , أو حتى لأقسام أخرى من الحكمة النظرية , ولئن كان المتوحد منعزلا بالضرورة بالنظر إلى تعريفه فلا يحتاج غير إدراك كيفية الارتقاء نحو العقل المستفاد بمراعاة الصور الروحانية العامة و أن تكون علاقاته مع أهل العلم , و مجردة عن الدواعي الجسمانية أو المادية, فهذا لا يلغي شعورا بأن لدى ابن باجة ما يقوله أكثر بخصوص السياسة نظرا للمقدمة و التلميحات التي تضمنتها في أمر المدن.

ولعله كان من الواجب قبل الكلام عن الكتاب التعرض لمقدمة الدكتور معن زيادة , و الذي قام بجهد لا ينكر في تحقيق الكتاب وكتب فلسفية عديدة , ولكن هذا لا يعفي مقدمته و تحليله من النقد و ضرورة التقويم, باعتبار انه قدم صورة غير دقيقة عن واقع ابن باجة و صراعاته , استحضر الأستاذ معن صراعات عصره هو ليطابق صراعات ابن باجة معها , في مشابهة للطريقة الجابرية في القراءة المؤدلجة للتراث.

فلا يمكن إغفال أن ابن باجة كان وزيرا قاضيا , قبل أن يكون فيلسوفا , أي أنه كان من أهل الفقه كذلك , لا من أهل الفلسفة فقط , حتى لو غلبت صفة الفلسفة عليه مع ما كتبه الفتح بن خاقان في الرد عليه و اتهامه بالزندقة , ولكن الصفة الرئيسة لابن باجة لم تكن العمل بالوزارة و لا الفلسفة بقدر ما هي صفته كطبيب , و التي جعلته مقربا من أمير المرابطين, و بصفته كطبيب بالذات وقع في مؤامرات و دسائس و تنافس الأطباء و حنقهم عليه ما أدى لمقتله بالسم على الأرجح , لا باعتبار تفلسفه , فقد كان يمكن محاكمته على الزندقة و قتله دون حاجة إلى تسميمه , فما هو بشخصية عامة لها أشياع و أتباع كثر حتى تخاف
Take تدبير المتوحد Imagined By ابن باجة Physical Book
الدولة من قتله علانية.
عدا عن أن تصوير الصراع وهنا ما زلت في مقدمة معن زيادة و كأنه بين أهل الفقه و بين "المفكرين الأحرار المؤمنين بالعقل" , يفتقد الدقة كثيرا , لا باعتبار أن العقل الذي يدافع عنه الفلاسفة وقتها لا يشبه العقل الحداثي الذي يدافع عنه التنويريون العرب عدا عن كون هذا العقل الذي يتكلم عنه الفلاسفة المسلمون لا يقل ميتافيزيقية ولاعقلانية عن غيبية المتصوفة باعتبار معاييرنا االعقلية اليوم المحايدة أمام الاتجاهين , بل باعتبار أنه لم يكن ثمة اتفاق مؤامراتي بين أهل الفقه و الحديث على أهل العقل بهذه الصيغة القاطعة , بحيث يكون ابن باجة شجاعا لأنه انتقد الغزالي في الأندلس كما يقول الأستاذ معن زيادة , لأن فقهاء الأندلس كانوا قد أحرقوا كتب الغزالي و بدعوه قبل أن يتكلم ابن باجة عنه حتى !!!

لا بد من عملية إعادة السرد و التأويل اللازمة لكل تراث , وهذه ضرورة أمام تراثنا الفلسفي و الكلامي و الأصولي و حتى الأدبي و الاخباري , وهذا ما تمارسه كل أمة تجاه تراثها حتى يمكن لها الاستمرار و البناء في المجال التداولي نفسه دون أن يكون منفصما عن الزمن المعرفي المعاصر الذي يعيش فيه, ولكن ما وقع فيه التنويريون العرب و الإسلاميون لم يقعوا فيه لأنهم لم يحاولوا أصلا هو القراءة المؤدلجة بفجاجة للتاريخ لكي يكون نسخة عن صراعاتهم المعاصرة , فلم يقدموا إنتاجا معرفيا حداثيا , ولم يقدموا دراسة حقيقية عن التراث , أي أنهم في ما أرادوه من قراءة عقلانية للتراث , قدموا قراءة لا عقلانية ولا تراثية في الآن نفسه.
وهذه الحال الخطابية ما زالت حاضرة لدى الاتجاه العلمانوي العربي حتى اليوم , على أن هناك اتجاها جادة في دراسة التراث بدأ بالظهور متجردا من هذه الحالة الخطابية السطحية. و السير الاربع قد توجد فيها النوابت, و وجودهم هو سبب حدوث المدينه الكامله, على ما تبين فى غير هذا الموضع. و لما كانت جميع السير التى فى هذا الزمان, و فيما كان قبلها من معظم ما بلغنا خبره, اللهم الا ما يحكى ابو نصر عن سيره الفرس الاولى, كلها مركبه من السير الخمس, و معظم ما نجده فيها من السير الاربع, و تلخيض ذلك معرج عنه لمن يفرغ للفحص عن السير الموجوده فى هذا الزمان. بل الاصناف الثلثه منها موجودون إو يمكن وجودهم و هم النوابت و الحكام و الاطبإ. و كان السعدإ ان امكن وجودهم فى هذه المدن فانما تكون لهم سعاده المفرد, و صواب التدبير انما يكون تدبير المفرد, و سوإ كان المفرد واحدا إو إكثر من واحد, ما لم يجتمع على رإيهم امه او مدينه. و هولاى هم الذين يعنونهم الصوفيه بقولهم الغربإ, لانهم و ان كانوا فى إوطانهم و بين اترابهم و جيرانهم, غربإ فى آرائهم قد سافروا بإفكار هم الى مراتب إخر هى لهم كالاوطان, الى سائر ما يقولونه.
و نحن فى هذا القول نقصد تدبير هذا الانسان المتوحد, و بين انه قد لحقه امر خارج عن الطبع, فنقول كيف يتدبر حتى ينال افضل وجوداته, كما يقوله الطبيب فى الانسان المنفرد فى هذه المدن كيف يتوجه حتى يكون صحيحا, اما بان يحفظ صحته كما كتب جالينوس فى كتاب حفظ الصحه, و اما بان يستر جعها اذا زالت كما وضعت فى صناعه الطب. كذلك هذا القول هو للنابت المفرد و هو كيف ينال السعاده اذا لم تكن موجوده, إو كيف يزيل عن نفسه الاعراض التى تمنعه عن السعاده, إو عن نيل ما يمكنه منها, اما بحسب غايه رويته او بحسب ما استقر فى نفسه. و اما حفظها, و ذلك شبيه بحفظ الصحه, فلايمكن فى السير الثلاث و ما تركب منها, فان الذى يراه جالينوس إو غيره فى ذلك شبيه بالكيميإ و صناعه النجوم. فهذا الذى يضعه طب النفوس, و ذلك طب الاجسام, و الحكومه طب المعاشرات. فبين إن هذين الصنفين يسقطان جمله فى المدينه الكامله, فلذلك لم يعدا فى العلوم. و كذلك يسقط هذا الذى نقوله متى كانت المدينه كامله, و تسقط منفعه هذا القول كما يسقط علم الطب و صناعه القضإ و غير ذلك من الصنايع التى استنبطت بحسب التدبير الناقص. و كما ان ما فى ذلك من الارإ الصادقه يرجع الى ما فى الطب منها الى الصنايع الطبيعيه, و ما فى صناعه القضإ فيرجع الى الصناعه المدنيه, كذلك ما فى هذا يرجع ما فيه الى الصناعه الطبيعيه و الصناعه المدنيه. .