Immerse In رأيت رام الله By Mourid Barghouti Offered As Printed Matter

سيرة ذاتية عذبة تمتزج بها تلقائية النثر وعذوبة وسحر الشعر في سلاسة متناهية وحميمية السرد عبر كلمات الكتاب من أول صفحة لآخر صفحة كأن الكاتب يجلس معك ويحدثك بكل تفاني وصدق حديث الأصدقاء الحميم.

هي مشاعر جياشة ينضح بها الكتاب يصف من خلالها عودته لزيارة رام الله
Immerse In رأيت رام الله By Mourid Barghouti Offered As Printed Matter
بعد غياب وشتات دام لمدةسنة حيث خرج منها لتلقي العلم في القاهرة ومنع من دخولها بعد النكسة وتلك كانت بداية الشتات عبر البلاد البعيدة عن الوطن المحاصر.

يحدثك مريد بذكريات ومكنونات بلدته دير غسانة فتشعر بأنك ولدت هناك أيضا وتشعر بطعم الزعتر وزيت الزيتون في فمك مجتمعة مع مرارة النكبة والشتات والفقدان وأمل العودة مرة أخرى. أعجبت بأسلوب مريد في عرض القضية بشكل جميل جذاب خالي من كليشهات معظم الكتاب المعتادة ومرارة الحديث من لعن العرب وأنهم باعوا القضية والفلسطينيين ملائكة والكل متآمر عليهم ولكن بكل صراحة وصدق الحديث قال مريد ما لهم وما عليهم فهم في النهاية بشر منهم الملائكة ومنهم الشياطين أيضا ومنهم من عمل للقضية ومنهم من خانها أيضا.

طوال قراءتك الكتاب يشاركك الكاتب أفكاره ومعتقداته من خلال أسئلة ومناقشات وحوارات مع من يلتقيهم بعيدا عن المزايدة والمبالغات السقيمة. في النهاية أقول هي رحلة مريرة وطويلة وشاقة عاشها الكاتب مشتتا بين بلاد العالم بعيدا عن أسرته الصغيرة وعن عائلته الكبيرة البراغثة فيها من العذاب والألم كما فيها أيضا السعادة بطعم مرارة خلفها المحتل في الحلوق مع الأمل في الزيارة مرة أخرى بصحبة ولده تميم. وأخيرا يسأل مريد نفسه كل ليلة قبل الذهاب إلى النوم "هل الوطن حقا هو الدواء لكل الأحزان وهل المقيمون هناك أقل حزنا". منذ ٦٧ وكل ما نفعله مؤقت "حتى تتضح الأمور" والأمور لم تتضح منذ ٣٠ سنة.
هل من الممكن اعفاء الخاسر والمقهور من السياسة هل من الممكن ابعاده عنها"
بأحاسيس راقية وشفافة يصبنا مريد البرغوثي في عودته الى رام الله بعد مغادرته لها منذ ٣٥ عاما.
يعرج مريد الى طفولته في رام الله وحياته هناك كطفل ومراهق قبل ان يغادر الى مصر للدراسة وفي عام تخرجه يسرق منه وطنه احضر الشهادة ولكن خسر الجدار الذي سيعلق عليها الشهادة.
ذكرياته في مصر وفي الغربة في جميع الدول التي اضطر للعيش فيها خاصة بعد كامل ديفيد ومنعه من التواجد في مصر ورفاقه عن ابنه تميم وزوجته رضوى عاشور.
ويتعرض للسياسة العربية والاسرائيلية بشكل شفاف وحيادي أيضا بين الحكومات والفصائل الفلسطينية.
ويصف غربته وغربة غيره من الفلسطينيين او العرب بدون ان يحتقر هذه البلدان بل يصف الايجابيات من هذه الدول وحبه لها.
أسرته مشتته بين عمان وقطر ومصر والمجر وباريس ولندن والكويت ورام الله.
التلفون هو وسيلتهم الوحيدة للالتقاء.
ممتعه جدا كيف لمثل هذه الحكاية الموجعة أن تظهر بهذا الجمال. . لا توجد كلمات في ذهني تصف ما أشعر به تجاهها.
ضحكني مريد بحكاياته ورجع بكاني بعد ما كنت نسيت الدموع المصاحبة للقراءات الحزينة. .
كنت أتأمل كثيرا وجه مريد البرغوثي وأحبه وأسمع صوته وأسأل كيف يكتب هذا الرجل هادئ الوجه. .
هكذا تكون الرواية عندما يكتبها شاعر إذن رقيق حتى في غضبه وحسرته. .
لا أعرف إن كان مريد تمكن من اصطحاب تميم لرام الله أم لا ولكني لن أبحث عن الأمر وسآمل أنه حدث. .

"عندما تختفي فلسطين كسلسال على ثوب السهرة كحلية أو كذكرى أو كمصحف ذهبي أي عندما نمشي بأحذيتنا على ترابها ونمسح غبارها عن ياقات قمصاننا وعن خطانا المستعجلة إلى قضاء شئوننا اليومية العابرة العادية المضجرة عندما نتذمر من حرها ومن بردها ومن رتابة البقاء فيها طويلا عندئذ نكون قد اقتربنا منها حقا. . "
Sun, Jul,
المخدة سجل حياتنا. المسودة الأولية لروايتنا التى كل مساء جديد نكتبها بلا حبر و نحكيها بلا صوت. ولا يسمع بها أحد إلا نحن. "رأيت رام الله" كتاب فاز بجائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبيهل هي رام الله سر الإبداع المحقق!! أم أنها الثلاثون عاما من الغربة أشعلت في القلب الحنين والاشتياق إلى ساكني رام الله!! أم أنه الوطن المحرم المنتظر على مشارف جسر العبور جسر العودة ذاك الذي سكن في ذاكرة مريد البرغوثي بصرير خشبة وبضيق مساحته وقصر طوله. هو ذاك الجسر القصير مشت عبره الذاكرة إلى ذاك الأفق الرحب المشبع برائحة الأهل والمترع بالصور القديمة الساكنة في الوجدان.

مريد البرغوثي فاز بجائزة عبوره ذلك الجسر الخشبي الصغير وكأنه بتجاوزه تمكن من المثول أمام أيامه وجعل أيامه تمثل أمامه يلمس تفاصيل منها بلا سبب مهملا منها تفاصيل أخرى بلا سبب مثرثرا لنفسه عمرا كاملا في يوم عودته ومن حوله يحسبون أنه في صمت عبر الجسر المحرم عليه بعد ثلاثين عاما وفجأة انحنى ليلملم شتاته كما يلم جهتي معطفه إلى بعضها في يوم من الصقيع والتلهف. أو كما يلملم تلميذ أوراقه التي بعثرها هواء الحقل وهو عائد من بعيد.

وعلى مخدعه في تلك الليلة ليلة العودةلملم النهارات والليالي ذات الضحك ذات الغضب ذات الدموع ذات العبث وذات الشواهد الرخامية التي لا يكفيه عمر واحد لزيارتها جميعا من أجل تقديم الصمت والاحترام وفي غمرة كل ذلك الروح شاحبة والنفس ذابلة وسؤال يقفز ما الذي يسلب الروح ألوانها والنفس أنغامها!! وما الذي غير قصف الغزاة أصاب الجسر. لملم مريد البرغوثي كل ذلك ليحكي في كتابه هذا رحلة عذاب فلسطين من خلال أسلوب قصصي شاعري رائع جسد صدقه الإنساني المعذب والجميل. يا الله! ما هذا الجمال سيدي!! ما هذه الروعة أستاذي!!!

أدمعت عيني وأدميت قلبي وزلزلت وجداني.

أحقا ضاعت فلسطين!! أحقا ذهبت رام الله بلا عودة!!

أتخيلك وكأنك تقول: ذهبت لأرى رام الله فلم أجدها! بحثت عنها فشاهدتها ولم أرها.

ما أصعب أن يبعد الإنسان عن وطنه قسرا وجبرا. ولكن صدقني فالأدهى والأمر أن يبحث المرء عن وطنه على أرضه فلا يجده. أن يشعر بالغربة بين جنبات مسقط رأسه ويظل يأمل في ذلك اليوم الذي يعثر فيه على ضالته.

لا أدري حقا من أين أبدأ. أمن روعة الأسلوب أم طلاقة اللغة أم دقة الوصف والتخيل أم صلابة الفكرة وجلاء المغزى.

لقد رافقتك خلال رحلتك إلى رام الله خطوة بخطوة وشعورا بشعور. وصلت معك إلى حدود "الأرض المحتلة" وانتظرت كثيرا قليلا أقصد في نفس الوقت كثيرا في عمر الإحتلال قليلا في عمر الوطن على معبر "الكرامة" حتى يأذن لي "الآخرون" بدخول أرضي والسير فوقها! عاينت معك الطرقات والشوارع قديمها وحديثها ماضيها وحاضرها وربما أيضا مستقبلها!! أصاب عيني مشهد المستوطنات البغيض بأعلامه الإسرائيلية القبيحة التي تحجب ضوء الشمس ونور السماء. وصلت معك إلى رام الله رأيت منازلها وبرنداتها أزقتها وطوابينها شيوخها وأطفالها بل وحتى "مستعمراتها"!

وصلت معك إلى دير غسانة وقراها أقمت في دار رعد. رأيت الشجرة! نعم رأيتها بأم عينى على الخريطة اسمها فلسطين ويدعونها إسرائيل!!

ارتحلت بمرافقتك إلى القاهرة بودابست أمريكا عمان قطر الرباط فرنسا لندن وأخيرا وأبدا فلسطين.

تجاوز وصفك لمرحلة العبور من ضفة النهر الشرقية إلى ضفته الغربية الصفحات الخمسين ومع ذلك لم أشعر بلحظة ملل أو ضجر. تسرب إلى وجداني كل شعور أردت إيصاله بين السطور ومن وراء الأحرف والكلمات.

كثير من الأحداث التي وصفتها ابكتني كما لم أبك من قبل موت والدك وأنت في الغربة بعيد عنه قرار ترحيلك من مصر وإبعادك رغما عنك عن أسرتك حتى يكبر ولدك الوحيد ويقول لك أول ما يقول "عمو!" وغيرها الكثير. إلا أنه رغم ذلك يظل مشهد موت شقيقك الأكبر "منيف" متربعا على عرش الهزات الوجدانية التي أدمعت قلبي قبل عيني.

لم أقابل حتى الآن في حياتي من يعتز بعائلته هكذا حقا. من لا يفوت فرصة كي يقر بجميل لكل أفراد عائلته كبيرهم وصغيرهم رجالهم ونسائهم.

الأخ الأكبر "منيف" والذي احتل مركز الصدارة في لوحة شرف العائلة. لا تكاد تخلو صفحة من ذكره إما جليا أو خفيا حتى أكاد أجزم أن الكاتب كان من الأحرى به أن يسمي الكتاب "منيف وأنا رأينا رام الله". أجل هذا الحب الأخوي جدا وأشعر بالامتنان حقا لهذه الرابطة الأخوية المتينة.

أما عن علاقة الأستاذ مريد بأسرته أقصد زوجته الدكتورة رضوى وابنه الأستاذ تميم فحدث ولا حرج. ما هذه الروعة بحق السماء!! أيوجد على هذه الأرض التي نعيش عليها من يحترم زوجته ويقدرها هكذا! وفي الشرق! دعني أقر بأنني لأول مرة طوال سنوات عمري التي تزيد عن الربع قرن بعام لم أر مثل هذا النموذج للزوج المخلص المحب الذي لا يذكر زوجته إلا بكل خير ولا يأتي باسمها إلا سابقا اسمه أبدا. نعم لم أشاهد حتى الآن في حياتي كلها من يجل زوجته ويقر لها بكل جميل ومعروف هكذا. تحياتي أستاذي ورحمة الله على كاتبتنا العزيزة رضوى عاشور.

فيما يخص علاقة الكاتب بابنه فإنها حقا تستحق أن تكون مضرب الأمثال في الصفاء والنقاء. فكلما ذكر تميم ترى التأثر واضحا في لغته وكأنما يريد أن يعتذر له عن كل شئ خاطئ. عن الاحتلال عن التهجير القسري عن الترحيل والتشتت الأسري عن كل شئ حدث رغما عن الأب الحنون الذي يمثل جذور الشعب الفلسطيني في أرضه والذي يرغب في التشبث بها والمجئ بثمرة فؤاده ليعيش فيها وينتزع حقه في الإقامة بها من براثن احتلال غاشم.

من المفارقات التي ذكرها الكاتب أن ذكرى ميلاده توافقت مع ذكرى استشهاد المناضل غسان كنفاني! كما تصادفت ذكرى زواجه مع يوم استشهاد ناجي العلي! يا له من نصيب. الحياة تستعصي على التبسيط كما ترون.

من أكثر العبارات التي أثرت في:
من هنا من إذاعة صوت العرب قال لي أحمد سعيد إن "رام الله" لم تعد لي وإنني لن أعود إليها المدينة سقطت.
العلم الأردني هنا بألوان الثورة العربية. بعد أمتار قليلة هناك العلم الإسرائيلي باللون الأزرق للنيل والفرات وبينهما نجمة داود. هبة هواء واحدة تحركمها بيض صنائعنا سود وقائعنا خضر مرابعنا. الشعر في البال. لكن المشهد نثري كفاتورة الحساب.
نسيج السجادة هو المستوطنات. عليها بعض النقوش متناثرة هنا وهناك هي كل "ما تبقى لنا" من فلسطين. "
لم أجد من يصطحبني إلى القدس.
أسهل نشاط بشري هو التحديق في أخطاء الآخرين. إن الذي يفتش عن أخطائك لن يجد سواها!
علمتني الحياة أن علينا أن نحب الناس بالطريقة التي يحبون أن نحبهم بها.
هنا في هذه الغرفة ولدت قبل مولد دولة إسرائيل بأربع سنوات.
الاحتلال الطويل استطاع أن يحولنا من أبناء "فلسطين" إلى أبناء "فكرة فلسطين".
اسوأ ما في المدن المحتلة أن ابناءها لا يستطيعون السخرية منها. من يستطيع أن يسخر من القدس
الاحتلال ابقى القرية الفلسطينية على حالها وخسف مدننا إلى قرى.
إن قصص الأوطان المجروحة كقصص المنافي الآمنة لا شئ في الجهتين يتم على هوى الضحايا.
ورغم ذلك كله فلم أكن ذا يوم مغرما بالجدال النظري حول من له الحق في فلسطين. فنحن لم نخسر فلسطين في مباراة للمنطق. لقد خسرناها بالإكراه وبالقوة.
منذ الهزيمة في حزيران ١٩٦٧ لم يعد ممكنا لي أن أرى رقم ال٦٧ هذا إلا مرتبطا بالهزيمة.
منذ ال١٩٦٧ والنقلة الأخيرة في الشطرنج العربي نقلة خاسرة! نقلة إلى الوراء. نقلة سلبية تنتكس بالمقدمات مهما كانت تلك المقدمات إيجابية.
من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة: ابدأ حكايتك من "ثانيا"!

من مفضلاتي وبلا أدنى شك. يستحق الخمس نجوم عن جدارة. انتوي قراءته مرات عديدة وكلي يقين بأن كل مرة ستختلف كثيرا عن سابقتها.

أرشحه وبقوة لكل إنسان على وجه هذه البسيطة محبا للسلام راجيا الحقيقة.

أكتب مراجعتي هذه والاحتلال الإسرائيلي يمنع رفع الأذان وإقامة الصلاة في أقصانا منذ عشرة أيام!! أكتبها ومسجدنا يدنس وقدسنا تنتهك حرمتها. أكتبها والعرب صامتون بل متواطئون خائنون.

ألا لعنة الله على الظالمين ومن عاونهم.

الإسكندرية ٢٣ يوليو تموز ٢٠١٧. .